كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أجيب: بأنهما يلحقهما الخسوف والكسوف والكواكب لا يلحقها ذلك.
وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر الدال من الدرء بمعنى الدفع لدفعه الظلام والباقون بضمها منسوب إلى الدر أي: اللؤلؤ في صفاته وحسنه، وإن كان الكوكب أكثر ضوء من الدر لكن يفضل الكواكب بصفائه كما يفضل الدر سائر الحب، وهمز مع المد أبو عمر وشعبة وحمزة والكسائي والباقون بغير همز وكل من أهل الهمز على مرتبته في المد {توقد من شجرة مباركة زيتونة} أي: ابتداء توقده من شجرة الزيتون المتكاثر نفعه بأن رويت فتيلة المصباح بزيت الشجرة، وهي شجرة كثيرة البركة وفيها منافع كثيرة؛ لأن الزيت يسرج به ويدهن به وهو أدام وهو أصفى الأدهان وأضوؤها. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح التاء والواو وبتشديد القاف على وزن تفعل على الماضي أي: المصباح، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بضم التاء الفوقية وتخفيف القاف أي: المصباح {لاشرقية ولاغربية} أي: ليست بشرقية وحدها لاتصيبها الشمس إذا غربت ولا غربية وحدها فلا تصيبها الشمس إذا طلعت بل هي مصاحبة للشمس طول النهار تصيبها الشمس عند طلوعها وعند غروبها فتكون شرقية وغربية تأخذ حظها من الأمرين فيكون زيتها أضوأ، وهذا كما يقال: فلان ليس أسود ولا أبيض أي: ليس أسود خالصًا ولا أبيض خالصًا بل اجتمع فيه كل واحد منهما، وهذا الرمان ليس بحلو ولا حامض أي: اجتمع فيه الحلاوة والحموضة، هذا قول ابن عباس والأكثرين، وقال السدي وجماعة: معناه أنها ليست مقنأة لا تصيبها الشمس ولا في مضحاة لايصيبها الظل فهي لا تضرها شمس ولا ظل، والمقنأة بقاف فنون فهمزة وهي بفتح النون وضمها المكان الذي لا تطلع عليه الشمس، وقول البيضاوي تبعًا للزمخشري.
وفي الحديث: «لا خير في شجرة مقنأة ولا في نبات في مقنأة، ولا خير فيهما في مضحى» قال ابن حجر العسقلاني: لم أجده، وقيل: معناه أنها معتدلة ليست في شرق يصيبها الحر، ولا في غرب يضرها البرد، وقيل: معناه هي شامية لأن الشام وسط الأرض لا شرقي ولا غربي، وقيل: ليست هذه الشجرة من أشجار الدنيا لأنها لو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية، وإنما هو مثل ضربه الله تعالى لنوره {يكاد زيتها} أي: من صفائه {يضيء ولو لم تمسسه نار} أي: يكاد يتلألأ ويضيء بنفسه من غير نار {نور على نور} أي: نور المصباح على نور الزجاجة.
تنبيه: اختلف أهل العلم في معنى هذا التمثيل فقال بعضهم: وقع التمثيل لنور محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس لكعب الأحبار: أخبرني عن قوله تعالى: {مثل نوره كمشكاة} قال كعب: هذا مثل ضربه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فالمشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح فيه النبوة تتوقد من شجرة مباركة هي شجرة النبوة يكاد نور محمد صلى الله عليه وسلم وأمره يتبين للناس، ولو لم يتكلم أنه نبي كما يكاد ذلك الزيت يضيء، ولو لم تمسسه نار.
وروى سالم عن عمر في هذه الآية قال: المشكاة جوف النبي صلى الله عليه وسلم والزجاجة قلبه، والمصباح النور الذي جعله الله تعالى فيه، لا شرقية ولا غربية لا يهودي ولا نصراني، توقد من شجرة مباركة إبراهيم، نور على نور نور قلب إبراهيم ونور قلب محمد صلى الله عليهما وسلم، وقال محمد بن كعب القرظي: المشكاة إبراهيم والزجاجة إسماعيل عليهما السلام، والمصباح محمد صلى الله عليه وسلم سماه الله تعالى مصباحًا كما سماه سراجًا، فقال تعالى: {وسراجًا منيرًا} الأحزاب.
توقد من شجرة مباركة، وهي إبراهيم عليه السلام سماه مباركًا؛ لأن أكثر الأنبياء من صلبه، لا شرقية ولا غربية يعني إبراهيم لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا لأن اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار تكاد محاسن محمد صلى الله عليه وسلم تظهر للناس قبل أن يوحى إليه، نور على نور نبي من نسل نبي نور محمد على نور إبراهيم عليهما السلام، وقال بعضهم: وقع هذا التمثيل لنور قلب المؤمن، روى أبو العالية عن أبيّ بن كعب قال: هذا مثل المؤمن فالمشكاة نفسه والزجاجة صدره، والمصباح ما جعل الله من الإيمان والقرآن في قلبه توقد من شجرة مباركة وهي الإخلاص لله وحده، فمثله كمثل شجرة التف بها الشجر فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس لا إذا طلعت ولا إذا غربت، فكذلك المؤمن قد احترس من أن يصيبه شيء من الفتن، فهو بين أربع خلال؛ إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإن حكم عدل، وإن قال صدق، يكاد زيتها يضيء؛ أي: يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يبين له لموافقته إياه، نور على نور؛ قال أبيّ: أي: فهو يتقلب في خمسة أنوار قوله نور وعمله نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة؛ قال ابن عباس: هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوءًا على ضوء كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاء العلم ازداد هدى على هدى، ونورًا على نور، وقال الكلبي: قوله تعالى: {نور على نور} يعني إيمان المؤمن وعمله، وقال السدي: نور الإيمان ونور القرآن، وقال الحسن وابن زيد: هذا مثل للقرآن، فالمصباح هو القرآن فكما يستضاء بالمصباح يهتدى بالقرآن، والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحي، يكاد زيتها يضيء يعني: تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم يقرأ، نور على نور يعني القرآن نور من الله لخلقه.
مع ما قام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن، فازدادوا بذلك نورًا على نور {يهدي الله لنوره} قال ابن عباس: دين الإسلام وقيل: القرآن {من يشاء} فإن الأسباب بدون مشيئته لاغية، وقيل: يوفق الله لإصابة الحق من نظر وتدبر بعين عقله والإنصاف من نفسه ولم يذهب عن الجادة الموصلة إليه يمينًا وشمالًا، ومن لم يتدبر فهو كالأعمى، سواء عليه جنح الليل الدامس وضحوة النهار الشامس {ويضرب} أي: يبين {الله الأمثال للناس} تقريبًا للأفهام وتسهيلًا للأكدار {والله بكل شيء عليم} معقولًا كان أو محسوسًا، ظاهرًا كان أو خفيًا، وفيه وعيد لمن تدبرها ولم يكترث بها، وقوله تعالى: {في بيوت} يتعلق بما قبله أي: كمشكاة في بعض بيوت الله وهي المساجد كأنه قيل: مثل نوره، كما ترى في المسجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت، أو بما بعده وهو يسبح أي: يسبح رجال في بيوت، وفي قوله: فيها تكرير لقوله: في بيوت كقوله: زيد في الدار جالس فيها، أو بمحذوف كقوله: {تعالى في تسع آيات} النمل.
أي: سبحوا في بيوت، والبيوت هي المساجد؛ قال سعيد بن جبير: عن ابن عباس قال: المساجد بيوت الله في الأرض، وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض، وقيل: المراد بالبيوت المساجد الثلاثة، وقيل: المراد أربعة مساجد لم يبنها إلا نبيّ؛ الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فجعلاها قبلة، وبيت المقدس بناه داود وسليمان عليهما السلام، ومسجد المدينة، ومسجد قباء بناهما النبي صلى الله عليه وسلم وأتى فيها بجمع الكثرة دون جمع القلة للتعظيم {أذن الله أن ترفع} قال مجاهد: تبنى، نظيره قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} وقال الحسن: تعظم أي: فلا يذكر فيها الفحش من القول وتطهر من الأنجاس والأقذار، وقوله تعالى: {ويذكر فيها اسمه} عام فيما يتضمن ذكره حتى المذاكرة في أفعاله، والمباحثة في أحكامه، وقال ابن عباس: يتلى فيها كتابه {يسبح} أي: يصلى {له فيها بالغدو والآصال} أي: بالغداة والعشي، قال أهل التفسير: أراد به الصلوات المفروضة، فالتي تؤدى بالغداةصلاة الفجر، والتي تؤدى بالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين؛ لأن اسم الأصيل يقع على هذا الوقت، وقيل: أراد به الصبح والعصر؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من صلى البردين دخل الجنة»؛ أراد صلاة الصبح وصلاة العصر، وقال ابن عباس: التسبيح بالغدو صلاة الضحى، وروى «من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن مشى إلى تسبيح الضحى، لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين»، وقرأ ابن عامر وشعبة بفتح الباء الموحدة والباقون بكسرها.
{رجال لا تلهيهم تجارة} أي: معاملة رابحة، وقيل: المراد بالتجارة الشراء لقوله تعالى: {ولا بيع عن ذكر الله} إطلاقًا لاسم الجنس على النوع كما تقول: رزق فلان تجارة صالحة إذا اتجه له بيع صالح أو شراء، وعلى الأول ذكر مبالغة للتعظيم والتعميم بعد التخصيص، وقيل: التجارة لأهل الجلب تقول تجر فلان في كذا أي: جلب.
تنبيه: قوله تعالى: {رجال} فاعل يسبح بكسر الباء وعلى فتحها نائب الفاعل له ورجال فاعل فعل مقدر جواب سؤال مقدر كأنه قيل: من يسبحه وحذف من قوله تعالى: {وإقام الصلاة} الهاء تخفيفًا أي: وإقامة الصلاة، وأراد أداءها في وقتها لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة، وإنما ذكر إقام الصلاة مع أن المراد من ذكر الله الصلوات الخمس لأنه تعالى أراد بإقامة الصلاة حفظ المواقيت. روى سالم عن ابن عمر: أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة، فقام الناس وغلقوا حوانيتهم فدخلوا المسجد؛ قال ابن عمر: فيهم نزلت هذه الآية: {وإيتاء الزكاة} قال ابن عباس: إذا حضر وقت أداء الزكاة لم يحبسوها أي: فيخرجون ما يجب إخراجه من المال للمستحقين، وقيل: هي الأعمال الصالحة ومع ما هم عليه {يخافون يومًا} هو يوم القيامة {تتقلب} أي: تضطرب {فيه القلوب} بين النجاة والهلاك {والأبصار} بين ناحيتي اليمين والشمال، وقيل: تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشك إلى اليقين وتنفتح الأبصار من الأغطية، وقوله تعالى: {ليجزيهم الله} متعلق بيسبح أو بلا تلهيهم، أو بيخافون {أحسن ما عملوا} في الطاعات فرضها ونقلها أي: ثوابه الموعود لهم، وأحسن بمعنى حسن {ويزيدهم من فضله} ما لم يستحقوه بأعمالهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وقوله تعالى: {والله يرزق من يشاء بغير حساب} تقرير للزيادة، وتنبيه على كمال القدرة ونفاذ المشيئة وسعة الإحسان وكمال جوده فكأنه سبحانه وتعالى لما وصفهم بالجد والاجتهاد في الطاعة ومع ذلك يكونون في نهاية الخوف، فالله سبحانه وتعالى يعطيهم الثواب العظيم على طاعتهم، ويزيدهم الفضل الذي لا حد له في مقابلة خوفهم، وقوله تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب} أي: فحالهم على ضد ذلك، فإن أعمالهم التي يحسبونها صالحة نافعة عند الله تعالى يجدونها لاغية مخيبة في العاقبة كسراب وهو ما يرى في الغلاة وقت الضحى الأكبر شبيهًا بالماء الجاري، وهو ليس بماء، ولكن الذي ينظر إليه من بعيد يظنه ماءً جاريًا، وقيل: هو الشعاع الذي يرى نصف النهار في شدّة الحر في البراري الذي يخيل للناظر أنه الماء السارب أي: الجاري، فإذا قرب منه انغش فلم يرَ شيئًا، وأما الآل فإنما يكون أول النهار كأنه ماء بين السماء والأرض، وقال البغوي: والآل ما ارتفع عن الأرض وهو شعاع يجري بين السماء والأرض بالغدوات شبه بالمرآة ترفع فيها الشخوص يرى فيها الصغير كبيرًا، والقصير طويلًا والرقراق يكون بالعشاء وهو ما ترقرق من السراب أي: جاء وذهب، وقوله تعالى: {بقيعة} جمع قاع وهي أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام قاله في القاموس، وقيل: القيعة بمعنى القاع، وهو الأرض المستوية المنبسطة، وفيها يكون السراب، وقال الفراء: جمع قاع كجار وجيرة، وقال الفارسي: جمعه قيعة وقيعان {يحسبه} أي: يظنه {الظمآن} أي: العطشان الشديد العطش من ضعف العقل {ماءً} فيقصده ولا يزال سائرًا {حتى إذا جاءه} أي: ما قدر أنه ماء، وقيل: جاء إلى موضع السراب {لم يجده شيئًا} مما حسبه ووجه التشبيه أن الذي جاء به الكافر إن كان من أفعال البر، فهو لا يستحق عليه ثوابًا مع أنه يعتقد أن له ثوابًا عليه، وإن كان من أفعال الإثم فهو يستحق عليه العقاب مع أنه يعتقد أن له ثوابًا، فكيف كان فهو يعتقد أن له ثوابًا عند الله تعالى فإذا وافى عرصة القيامة ولم يجد الثواب بل وجد العقاب العظيم عظمت حسرته وتناهى غمه فيشبه حاله حال الظمآن الذي اشتدت حاجته إلى الماء، فإذا شاهد السراب في البر تعلق به قلبه، فإذا جاء له لم يجده شيئًا، فكذلك حال الكافر يحسب أن عمله نافعه فإذا احتاج إلى عمله لم يجده شيئًا ولا ينفعه.
وقال مجاهد: السراب عمل الكافر وإتيانه إياه موته ومفارقة الدنيا.
فإن قيل: قوله تعالى: {حتى إذا جاءه} يدل على كونه شيئًا، وقوله تعالى: {لم يجده شيئًا} مناقض له؟
أجيب: بأن معناه {لم يجده شيئًا} نافعًا كما يقال: فلان ما عمل شيئًا وإن كان قد اجتهد، أو أنه إذا جاء موضع السراب لم يجد السراب يرى من بعيد بسبب الكثافة كأنه ضباب وهباء، فإذا قرب منه رق وانتشر وصار كالهواء {ووجد الله عنده} أي: ووجد عقاب الله الذي توعد به الكفار أو وجد زبانية الله، أو وجده محاسبًا إياه أو قدم على الله {فوفاه حسابه} أي: جزاء عمله قيل: نزلت في عتبة بن ربيعة فإنه قد تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية، ثم كفر بالإسلام؛ قال ابن الخازن: والأصح أن الآية عامة في حق جميع الكفار {والله سريع الحساب} لأنه تعالى عالم بجميع المعلومات، فلا يشغله محاسبة واحد عن واحد، وفي هذا رد على المشبهة قبحهم الله تعالى لأنه تعالى لو كان متكلمًا بآلة كما يقولون لما صح ذلك، وقوله تعالى: {أو كظلمات} عطف على كسراب على حذف مضاف واحد تقديره: أو كذي ظلمات، ودل على هذا المضاف قوله تعالى: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} النور.